--------------------------------------------------------------------------------
قال ابن الرومي يرثي ولده محمداً :
بكاؤكما يشفي و إن كان لا يجدي،* فجودا فقد أودى نظيركما عندي
بنيّ الذي أهدته كفايّ للثـــــــــــرى* فيا عزة المهدى،ويا حسرة المهدي
ألا قاتل الله المنايا و رميـــــــها*من القوم حبات القلوب على عمد
توخى حمام الموت أوسط صبيتي* فلله كيف اختار واســـــطة العقد
على حين شمت الخير من لمحاته*و آنست من أفعاله آية الرشــد
طواه الردى عني ، فأضحى مزاره*بعيداً على قرب،قريباً على بعد
لقد أنجزت فيه المنايا و عيدها،*وأخلفت الآمال ما كان من وعد
لقد قل بين المهد و اللحد لبثـــــه*فلم ينس عهد المهد ،إذ ضم في اللحد
ألح عليه النزف حتى أحـــــاله*إلى صفرة الجاديّ عن حمرة الورد
و ظلّ على الأيدي تساقط نفسه*ويذوي كما يذوي القضيب من الرند
فيا لك من نفس تساقط أنفساً*تساقط در من نظام بلا عقــــــــد
عجبت لقلبي كيف لم ينفطر له*ولو أنه أقسى من الحجر الصلـــــد
بودي أني كنت قد مت قبله *و أن المنايا،دونه ،صمدت صمدي
ولكن ربي شاء غير مشيئتي،*وللرب إمضاء المشيئة، لا العبد
و لا بعته طوعاً،ولكن غصبتـه*و ليس على ظلم الحوادث من معد
و إني وإن متعت بابنيّ بعده،*لذاكره ما حنّت النيب في نجــــد
وأولادنا مثل الجوارح، أيها*فقدناه،كان الفاجع البيّن الفقـــــد
لكل مكان لا يسد اختلالــــــــه*مكان أخيه في جزوع ولا جلــــد
هل العين بعد السمع تكفي مكانه*أم السمع بعد العين،يهدي كما تهدي؟
لعمري لقد حالت بي الحال بعده،*فيا ليت شعري كيف حالت به بعدي
ثكلت سروري كله إذ ثكلته،*و أصبحت في لذّات عيشي أخا زهد
أريحانة العينين والأنف و الحشا*ألا ليت شعري، هل تغيرت عن عهدي
سأسقيك ماء العين ما أسعدت به*وإن كانت السقيا من العين لا تجدي
أعينيّ جودا لي،فقد جدت للثرى،*بأنفس مما تُسألان من الرفـــــد
أقرة عيني،قد أطلت بكاءها*و غادرتها أقذى من الأعين الرمد
أقرة عيني، لو فدى الحي ميّتاً*فديتك بالحوباء أول من يفدي
كأني ما استمتعت منك بضمة*و لا شمة في ملعب لك أو مهد
ألام لما أبدي عليك من الأسى*و إني لأخفي منه أضعاف ما أبدي
محمد، ما شيء توهم سلوة*لقلبي إلاّ زاد قلبي من الوجد
أرى أخويك الباقيين كليهما*يكونان للأحزان أورى من الزند
إذا لعبا في ملعب لك لذّعا*فؤادي بمثل النار عن غير ما قصد
فما فيهما لي سلوة،بل حزازة*يهيجانها دوني، وأشقى بها وحدي
وأنت،وإن أفردت في دار وحشة*فإني بدار الأنس في وحشة الفرد
أود إذا ما الموت أوفد معشراً*إلى عسكر الأموات ، أني من الوفد
ومن كان يستهدي حبيباً هدية*فطيف خيال منك في النوم أستهدي
عليك سلام الله مني تحيـــــّة*ومن كل غيث صادق البرق و الرعد