سامر الحسيني
تبدأ رحلة التلوث والتعديات على نهر الليطاني في البقاع الاوسط من منطقة تل عمارة حيث يقع جسر الليطاني، الذي يشكل معاناة يومية لعابريه المرغمين على تنشق روائح الموت المنبعثة بفعل تحول مجراه الى مصب لشبكات مياه الصرف الصحي للعديد من قرى غربي منطقة بعلبك. والأخطر والأبشع أن المياه المبتذلة تطفو على سطح الجسر المشيد حديثا.
بعد عدوان تموز ,2006 وبفعل تدمير هذا الجسر، أضيف إلى مجرى النهر ومياه الصرف الصحي ونفايات بعض مزارع الدواجن ومعامل أحجار البيتون (للبناء)، قسم من الردميات الاسمنتية إلى جانب مصبات شبكات مجاري الصرف الصحي.
ليس بعيدا عن جسر الليطاني في تل عمارة، تقع مصلحة الابحاث العلمية الزراعية التي تحوي أدراجها تقارير مخبرية حول نسب التلوث المرتفعة للمياه وللترب الزراعية بفعل مجاري الصرف
الصحي التي تستعمل في ري الاراضي الزراعية المنتشرة على ضفاف النهر.
من تل عمارة الى زحلة، يستقبل مجرى الليطاني المزيد من الملوثات والنفايات، وشبكات الصرف الصحي للقرى التي يمر في نطاقها العقاري، إضافة الى مخلفات ونفايات الاشجار المثمرة وبساتين الكرمة وبعض المخلفات الزراعية، ناهيك عن مخلفات ونفايات مزارع الدجاج والابقار وبعض الجيف المرمية في مجراه.
ويشكل جسر الليطاني الذي يقع آخر المدينة الصناعية في زحلة، محطة وكارثة بيئية نتيجة ازدياد الملوثات حيث تصب مجاري وشبكات الصرف الصحي لمدينة زحلة وكل أحيائها في مجراه. وبما أن المجرى يمر بالقرب من مزارع الدواجن والابقار، فليس هناك من مانع يحول دون تحويل المجرى إلى مكب لنفايات مزارع الدجاج ومخلفاته من البيض الفاسد وطيور الدجاج النافقة، إضافة الى بعض الجيف المتآكلة بفعل مياه الصرف الصحي. ويضاف إلى هذه الملوثات بعض الردميات البيتونية بفعل بعض الاعمال الانشائية القريبة من المجرى. وتضاف إليها المياه المبتذلة من مخلفات المعامل الصناعية.
والملاحظ على صعيد نهر الليطاني في منطقة البقاع الاوسط، كلما اقترب هذا المجرى من بحيرة الليطاني زادت كميات ونسب التلوث وأصنافها وأنواعها. ويعتبر مجرى نهر الليطاني الذي يخترق بلدات بر الياس وتعنايل والمرج من أكثر المجاري المائية الملوثة كماً ونوعا. ولا يمكن حصر حجم الاعتداءات على هذا النهر الذي يضم في مجراه إضافة الى الملوثات المذكورة سابقا، مخلفات محلات كسر الحديد، وأتربة زراعية ونفايات المحال والمؤسسات المجاورة، إضافة الى نفايات بعض معامل المنطقة الصناعية في بلدة تعنايل.
تنتهي مسيرة الليطاني في البقاع الاوسط في بلدة المرج التي تعد العنوان لأكبر كارثة بيئية وصحية، ناتجة عن تلاقي نهر الليطاني مع روافده الملوثة ايضا، وخصوصا نهري شتورة والبردوني.
فالأول يزيد على ملوثات الليطاني، بما يحمله من مخلفات معامل الاجبان والالبان في جديتا وشتورا والمريجات. أما البردوني فيزيد من نسبة الملوثات الجرثومية الناتجة عن شبكات الصرف الصحي وبعض مخلفات معامل الاجبان والالبان ومعامل اخرى.
من الدلائل على كثافة تلوث مياه الليطاني، هو عجز كلية الصحة الفرع الرابع عن استكمال مهمة القيام بفحص مخبري لعينات من مياهه، ورغم تخيفض كثافة الجراثيم بمقدار واحد على ألف، لم يجد الفاحصون سوى الجراثيم ولم يتمكنوا من حصر عددها وأنواعها، كما يقول مدير كلية الصحة الفرع الرابع الدكتور رائد عز الدين.
من جهته، وبكل حسرة، يقول رئيس بلدية زحلة ـ المعلقة المهندس اسعد زغيب ان الوضع البيئي في منطقة البقاع ومدينة زحلة غير سليم وغير صحي، ولكن لا وجود لحل بديل من تحويل مجاري الصرف الصحي الى مجاري الانهر في ظل غياب مشاريع تنفيذ محطات التكرير للمياه المبتذلة.
كثيرون من رؤساء بلديات البقاع يوافقون زغيب كلامه، فالمراجعات والمطالبات التي قاموا بها منذ سنوات دليل أكيد على استهتار الدولة التي أجابتهم بضرورة التعاون مع المنظمات الدولية والمانحة لحل مشكلتهم، حسب ما يقول رئيس بلدية المريجات فيليب المشعلاني.
265 دعوى قضائية
في أدراج وزارة العدل
يقول الرئيس السابق لمجلس إدارة مصلحة مياه الليطاني النائب ناصر نصر الله الذي دق ناقوس الخطر مرات عدة «إن المصلحة تقدمت بدعوى أمام المدعي العام التمييزي عدنان عضوم بتاريخ 14/6/2002 تحمل الرقم 2641 لملاحقة 265 مؤسسة تلوث الليطاني وبحيرةالقرعون ولكن من دون جدوى».
يشير المدير العام الحالي لمصلحة الليطاني المهندس علي عبود الى وجود قوانين كثيرة في لبنان، «لكن هناك إعاقة في تنفيذها، وهناك قوانين يجب تحديثها منها عدم إعطاء رخص للمصانع والمشاغل والمعامل إلا بعد أن تتقدم هذه لوزارة البيئة بطريقة معالجة وحل النفايات والمياه المبتذلة الظاهرة منها، مع الاسف هذا لا يطبق في لبنان، فيجب تنمية الصناعة والزراعة ولكن يجب الأخذ بالاعتبار ضرورة وجود محطات التكرير ومعالجة المياه المبتذلة ليسير الامر بشكل سليم».
ويناشد عبود جميع المؤسسات والجهات المعنية والبلديات ومنظمات المجتمع المدني المساعدة، كل في مجال اختصاصه، من أجل إنقاذ حوض نهر الليطاني وتلافي الأسوأ».
تقارير طبية
«لا يمكن أن تمر حالات التلوث المستشري في البقاع دون تأثيرات سلبية على حياة الانسان». يقول الدكتور فادي عاصي (اختصاصي في علم الخلايا والانسجة السرطانية).
يشير عاصي الى تزايد الحالات السرطانية سنة بعد سنة، وهناك عشرة آلاف فحص لتشخيص الامراض السرطانية سنويا في محافظة البقاع، تدلل نتائجها على وجود ما نسبته سبعة إلى ثمانية في المئة مصابون بأمراض سرطانية، يعود أغلبها للممارسات الخاطئة في الانظمة الزراعية والغذائية التي يتناولها البقاعيون.
ما بين أعوام 1993 و2005 عاين الدكتور عاصي حوالى ستين ألف حالة تشخيص مرضي، بينها خمسة آلاف حالة سرطانية».
من المفارقات الساخرة، رغم التلوث والامراض التي تحيط بالقرى والبلدات البقاعية، ما تزال دوائر الدولة تستوفي رسوما مالية عالية لقيم تأجيرية في بعض البلدات البقاعية على أساس ميزتها السياحية والجمالية وموقعها الطبيعي المصنف في الخمسينيات.