صحيفة السفير اللبنانية
رامز إسماعيل
نقرأ في كتب الجغرافيا ان نهر الليطاني ينبع من سهل العلاق غربي مدينة بعلبك ويتجه جنوبا ليتغذّى بينابيع عدة. يحتم جفاف نبع العلاق بشكل شبه كامل تغيير مكان منبع الليطاني ليقال إنه يبدأ نشاطه من مصب مجرى الصرف الصحي في خراج بلدة حزين اثر تنفيذ مشاريع مد خطوط انابيب للمياه المبتذلة من القرى والبلدات شرقي وغربي النهر إلى مجرى النهر نفسه. نفذت التمديدات وزارة الإسكان والتعاونيات عام 1986 على قاعدة ان يتم تنفيذ خط رئيسي يربط الانابيب الفرعية ويوصلها الى محور بلدة الفرزل لإقامة محطة تكرير مركزية.
ولكن ما حصل أنه تم نقل مشكلة الصرف الصحي من داخل البلدات الى مجرى النهر حيث جفت مياه الينابيع، وحلت محلها مياه الصرف الصحي على طول ضفتيه. ومع ثقل المياه المبتذلة لما تحتويه من ملوثات ومعادن، فإنها تتحرك ببطء مما يزيد من اضرارها كونها تتسرب الى باطن الارض من جهة وعبر قيام بعض المزارعين بحصرها بغية استخدام ما امكن منها في الري المباشر، حيث يلاحظ وجود العديد من «الشفاطات» على المجرى.
ومثل كل الدراسات التي تعدّ لمنطقة بعلبك، واجهت دراسة إنجاز محطة التكرير المقترحة أزمة قانونية، إن لم نقل استمرار الحرمان بقرار سياسي، تتجلى بتجميد الاتفاقية مع الصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي لتمويل مشاريع مائية في مجلس النواب منذ مدة طويلة. ومن المشاريع المقترحة في هذه الاتفاقية اقامة خط تجميع رئيسي من بلدة حزين شمالا الى بلدة الفرزل جنوبا وإنشاء محطة تكرير إضافة للوصلات الناقصة بين القرى والخط الرئيسي. وأعلنت مصادر من مجلس الانماء والاعمار ان كلفة هذه المرحلة تبلغ حوالى عشرة ملايين دولار، وستعتمد دراسة اعدتها وزارة الطاقة والمياه بحاجة الى تعديلات طفيفة خصوصاً في محطة التكرير، وتضيف المصادر ان مجلس الانماء ينتظر إقرار الاتفاقية في مجلس النواب ليباشر العمل بمضومنها.
وتحل محطة التكرير أزمة التلوث في بلدات النبي رشادة ـ حدث بعلبك ـ طاريا ـ شمسطار ـ بيت شاما ـ بدنايل ـ حوش الرافقة ـ تمنين التحتا ـ قصرنبا ـ تمنين الفوقا ـ بريتال ـ حزين ـ حوش سنيد ـ الجامعة الاميركية ـ النبي شيت ـ سرعين الفوقا ـ سرعين التحتا ـ حوش النبي ومعمل أجبان لبنان.
ورغم نداءات الاستغاثة من الاهالي والبلديات وجمعيات البيئة لم يصل شيء إلى آذان المسؤولين ولم يحركوا ساكناً وخصوصا الوزارات المعنية من بينها (البيئة ـ الزراعة ـ الطاقة والمياه ـ الاشغال ـ الصحة والسياحة). يدخل هذا الوضع المنطقة في دائرة الخطر الصحي ويستدعي اتخاذ إجراء طارئ للبحث بالبدائل، وفي المقدمة الاسراع بتنفيذ محطات تكرير على ضفة النهر تساهم في تنظيف مياه الري وتنقذ السكان من مخاطر التلوث البيئي.
البلديات: بريتال
استطلعت «السفير» وجهة نظر بعض البلديات بالمشكلة فالتقت مع رئيس بلدية بريتال الحاج عباس زكي اسماعيل الذي اعلن ان البلدية عندما وصلت شبكة الصرف الصحي الى مجرى النهر كانت مضطرة وأكملت ما كانت وزارة الاسكان والتعاونيات قد بدأته عام .1986 وأكد ان السكن بجوار النهر لم يعد ممكنا بسبب الروائح الكريهة والاراضي الزراعية التي قتلت بيئياً بدءاً من حزين وصولا الى بحيرة القرعون.
وأضاف انه قي وقت يمكن الاستفادة من مياه الصرف الصحي بعد تكريرها لو جهدت الوزارات المعنية بإقامة محطات تكرير على مجرى النهر كلفتها لا تزيد كثيرا عن كلفة طبابة عام واحد لمرضى التلوث البيئي على مجرى النهر تدفعها الدولة عن المواطن.
ويلفت اسماعيل الى خطورة الامر على الشأن التربوي فمن يعش في مستنقع دائم لا يشعر بأهمية النظافة ولا بالحاجة اليها.
وأبدى اسماعيل استعداد البلديات المساهمة ضمن امكانياتها ببعض النفقات لإيجاد حل لهذا الملف وعقد مؤتمر بيئي برعاية جريدة «السفير» التي فتحت هذا الملف اكثر من مرة مشكورة لنزع هذه القنبلة الموقوتة التي لا يعرف متى تنفجر امراضاً بدأت تباشيرها بالعديد من الحالات السرطانية التي ازدادت كثيراً في الآونة الاخيرة.
بلدية بدنايل
رئيس بلدية بدنايل يوسف سليمان اعلن انه يبدو ان المعنيين سلموا بواقعة ان النهر خصصت مهمته لنقل مياه الصرف الصحي بدليل الاستهتار بصحة الوطن والمواطن حيث لم يحرك احد ساكناً منذ اكثر من 22 عاما مع بدء عمل ضخ مياه الصرف الصحي على النهر، وكل يوم تزيد المشكلة بزيادة عديد القرى التي تنشئ شبكات جديدة. وأضاف أن البلديات غير قادرة على القيام بهذه المهمة وهي تنتظر تحريك هذا الملف الموجود في مجلس الانماء والاعمار. وكشف سليمان ان محاولة اجرتها وكالة التنمية الاميريكة لإنجاز محطة تكرير في محيط البلدة على ان تقوم البلدية بادارة المحطة وتشغيلها الا ان البلدية رفضت الفكرة كون المحطة لا تشمل كل الحوض وبالتالي لا حل للمشكلة، إضافة الى ان كلفة التشغيل الشهرية تبلغ اكثر من ثلاثة آلاف دولار، كما لا يمكن التخلص من ناتج الترسب الا عبر محرقة خاصة غير متوفرة واما ابقاءه مكشوفا وبالتالي سيكون له اثر بيئي سلبي.
بلدية حوش الرافقة
«الله يسترنا ماذا ينتظرنا في المستقبل من امراض نجهل مصدرها وكيفية وصولها الينا جراء تنفس هواء مليء بالجراثيم والميكروبات»، هذا ما ابلغنا به رئيس بلدية حوش الرافقة رياض يزبك.
يشكو يزبك من الأضرار الناتجة من مخلفات معمل البان لبنان ومنها الامصال وروث البقر وبقايا الابقار النافقة.
وأبدى يزبك استعداد البلدية والاهالي للمساهمة في تحمل جزء من نفقات محطة التكرير.
وختاما قال يزبك هل يأتي يوم يكون لنا فيه حكم يعمل على التخفيف من آلام البقاع ببعض الخدمات، اولها الاهتمام ببيئة نظيفة ام سيبقى نهر الليطاني نهر الآفات الخطيرة بل نهر الموت بعد ان اطلق عليه البعض النهر الميت بعد ان كان لآلاف السنين نهر الخير والعطاء؟.
بلدية شمسطار
وفي توضيح لما قاله رئيس مصلحة الليطاني عن مخاطر نهر الليطاني طالب رئيس بلدية شمسطار فاضل الحاج حسن بتصحيح عبارة نهر وتسميته مجرور الليطاني. وأكد الحاج حسن الحاجة الملحة والسريعة لإنشاء المحطة قبل فوات الأوان وتدخل المنطقة ضمن دائرة الخطر الصحي والبيئي مطالباً مجلس الوزراء الافراج عن حقوقه الكاملة من الصندوق البلدي المستقل، ربما يمكن التعاون مع بلديات المنطقة بالبحث عن حل ما يخفف من حجم الازمة.
بلدية النبي شيت
رئيس اتحاد بلديات شرقي بعلبك عبد اللطيف الموسوي اشار الى ان لبلدة النبي شيت ازمة اضافية عن غيرها اذ ان مجاري البلدة تضخ في سهل سرعين التحتا عبر مجرى مياه شتوي بسبب عدم انجاز الخط الرئيسي وإيصاله الى النهر فتذهب مياهه في غور الارض مشكلة خطرا جدياً على مياه الآبار الارتوازية. ويعتبر الموسوي ان نقل المشكلة من البلدة الى السهل ليس اقل ضررا لكنها محاولة الهروب إلى الأمام، متسائلا عن دور وزارات البيئة والصحة والزراعة في وضع حد لهذه المأساة.
بلدية حوش سنيد
يختصر رئيس بلدية حوش سنيد عاطف القرصيفي ازمة تلوث النهر بكلمة واحدة «استهتار» تلخص واقع الحال، كما اشار الى ان ادارة معمل اجبان لبنان لم تلتزم بالوعد بإنشاء محطة تكرير داخل المزرعة لتخفف من الآثار المباشرة لنواتج المرزعة والمصنع التي تصب جام ضررها على المواطن على طول مجرى النهر من غربي قصر دي فريج وصولا الى سهل تمنين التحتا.
ولا تقل آراء المواطنين عن صرخات البلديات خصوصاً من يقطنون بجوار النهر، ويمثل صرختهم الفعلية قاسم حسن المقداد من بلدة حوش الرافقة عندما «يلعن الساعة» التي شيد فيها منزلا على ضفاف النهر ظناً منه ان حظي بمكانة مميزة ولم يعلم انها ستجلب له مرض الكلى لزوجته وستسبب له هرب اولاده من حجم الروائح المتدفقة من مصبين للصرف الصحي يطوقان منزله. كما ان البئر المحفورة داخل منزله بعمق ثمانية أمتار وتبعد عن مجرى النهر اقل من عشرة امتار تتغذى مباشرة من مياه المجارير حيث لا يحتاج الامر كثيرا كي تتعرف على طعم مياه البئر اضافة الى الفحوص المخبرية التي اجريت عليها. ويقول المقداد لا نستطيع ان نشتري مياهاً للشرب او للاستخدام المنزلي ولا لسقي ابقارنا.