باب المختار من خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) وأوامره ويدخل في ذلك المختار من كلامه الجاري مجرى الخطب في المقامات المحظورة والمواقف المذكورة والخطوب الواردة
ومن كلام له (عليه السلام) في معنى قتل عثمان وهو حكم له على عثمان وعليه وعلى الناس بما فعلوا وبراءة له من دمه
لَوْ أَمَرْتُ بِهِ لَكُنْتُ قَاتِلاً أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ لَكُنْتُ نَاصِراً غَيْرَ أَنَّ مَنْ نَصَرَهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ خَذَلَهُ مَنْ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ومَنْ خَذَلَهُ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقُولَ نَصَرَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وأَنَا جَامِعٌ لَكُمْ أَمْرَهُ اسْتَأْثَرَ فَأَسَاءَ الأثَرَةَ وجَزِعْتُمْ فَأَسَأْتُمُ الْجَزَعَ ولِلَّهِ حُكْمٌ وَاقِعٌ فِي الْمُسْتَأْثِرِ والْجَازِعِ .
ومن كلام له (عليه السلام) لما أنفذ عبد الله بن عباس إلى الزبير يستفيئه إلى طاعته قبل حرب الجمل
لا تَلْقَيَنَّ طَلْحَةَ فَإِنَّكَ إِنْ تَلْقَهُ تَجِدْهُ كَالثَّوْرِ عَاقِصاً قَرْنَهُ يَرْكَبُ الصَّعْبَ ويَقُولُ هُوَ الذَّلُولُ ولَكِنِ الْقَ الزُّبَيْرَ فَإِنَّهُ أَلْيَنُ عَرِيكَةً فَقُلْ لَهُ يَقُولُ لَكَ ابْنُ خَالِكَ عَرَفْتَنِي بِالْحِجَازِ وأَنْكَرْتَنِي بِالْعِرَاقِ فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا
قال السيد الشريف وهو (عليه السلام) أول من سمعت منه هذه الكلمة أعني فما عدا مما بدا
ومن خطبة له (عليه السلام) وفيها يصف زمانه بالجور، ويقسم الناس فيه خمسة أصناف، ثم يزهد في الدنيا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا قَدْ أَصْبَحْنَا فِي دَهْرٍ عَنُودٍ وزَمَنٍ كَنُودٍ يُعَدُّ فِيهِ الْمُحْسِنُ مُسِيئاً ويَزْدَادُ الظَّالِمُ فِيهِ عُتُوّاً لا نَنْتَفِعُ بِمَا عَلِمْنَا ولا نَسْأَلُ عَمَّا جَهِلْنَا ولا نَتَخَوَّفُ قَارِعَةً حَتَّى تَحُلَّ بِنَا. وَالنَّاسُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَصْنَافٍ مِنْهُمْ مَنْ لا يَمْنَعُهُ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِلا مَهَانَةُ نَفْسِهِ وكَلالَةُ حَدِّهِ ونَضِيضُ وَفْرِهِ ومِنْهُمْ الْمُصْلِتُ لِسَيْفِهِ والْمُعْلِنُ بِشَرِّهِ والْمُجْلِبُ بِخَيْلِهِ ورَجِلِهِ قَدْ أَشْرَطَ نَفْسَهُ وأَوْبَقَ دِينَهُ لِحُطَامٍ يَنْتَهِزُهُ أَوْ مِقْنَبٍ يَقُودُهُ أَوْ مِنْبَرٍ يَفْرَعُهُ ولَبِئْسَ الْمَتْجَرُ أَنْ تَرَى الدُّنْيَا لِنَفْسِكَ ثَمَناً ومِمَّا لَكَ عِنْدَ اللَّهِ عِوَضاً ومِنْهُمْ مَنْ يَطْلُبُ الدُّنْيَا بِعَمَلِ الآخِرَةِ ولا يَطْلُبُ الآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنْيَا قَدْ طَامَنَ مِنْ شَخْصِهِ وقَارَبَ مِنْ خَطْوِهِ وشَمَّرَ مِنْ ثَوْبِهِ وزَخْرَفَ مِنْ نَفْسِهِ لِلأمَانَةِ واتَّخَذَ سِتْرَ اللَّهِ ذَرِيعَةً إِلَى الْمَعْصِيَةِ ومِنْهُمْ مَنْ أَبْعَدَهُ عَنْ طَلَبِ الْمُلْكِ ضُئُولَةُ نَفْسِهِ وانْقِطَاعُ سَبَبِهِ فَقَصَرَتْهُ الْحَالُ عَلَى حَالِهِ فَتَحَلَّى بِاسْمِ الْقَنَاعَةِ وتَزَيَّنَ بِلِبَاسِ أَهْلِ الزَّهَادَةِ ولَيْسَ مِنْ ذَلِكَ فِي مَرَاحٍ ولا مَغْدًى. وَبَقِيَ رِجَالٌ غَضَّ أَبْصَارَهُمْ ذِكْرُ الْمَرْجِعِ وأَرَاقَ دُمُوعَهُمْ خَوْفُ الْمَحْشَرِ فَهُمْ بَيْنَ شَرِيدٍ نَادٍّ وخَائِفٍ مَقْمُوعٍ وسَاكِتٍ مَكْعُومٍ ودَاعٍ مُخْلِصٍ وثَكْلانَ مُوجَعٍ قَدْ أَخْمَلَتْهُمُ التَّقِيَّةُ وشَمِلَتْهُمُ الذِّلَّةُ فَهُمْ فِي بَحْرٍ أُجَاجٍ أَفْوَاهُهُمْ ضَامِزَةٌ وقُلُوبُهُمْ قَرِحَةٌ قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا وقُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا وقُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا. فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ وقُرَاضَةِ الْجَلَمِ واتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ وارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ.
قال الشريف رضي الله عنه أقول وهذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له إلى معاوية وهي من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) الذي لا يشك فيه وأين الذهب من الرغام وأين العذب من الأجاج وقد دل على ذلك الدليل الخريت ونقده الناقد البصير عمرو بن بحر الجاحظ فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب البيان والتبيين وذكر من نسبها إلى معاوية ثم تكلم من بعدها بكلام في معناها جملته أنه قال وهذا الكلام بكلام علي (عليه السلام) أشبه وبمذهبه في تصنيف الناس وفي الإخبار عما هم عليه من القهر والإذلال ومن التقية والخوف أليق قال ومتى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد ومذاهب العباد
ومن خطبة له (عليه السلام) عند خروجه لقتال أهل البصرة، وفيها حكمة مبعث الرسل، ثم يذكر فضله ويذم الخارجين
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بِذِي قَارٍ وهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ فَقُلْتُ لا قِيمَةَ لَهَا فَقَالَ (عليه السلام) واللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلاً ثُمَّ خَرَجَ فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ:
إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّداً (صلى الله عليه وآله) ولَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْعَرَبِ يَقْرَأُ كِتَاباً ولا يَدَّعِي نُبُوَّةً فَسَاقَ النَّاسَ حَتَّى بَوَّأَهُمْ مَحَلَّتَهُمْ وبَلَّغَهُمْ مَنْجَاتَهُمْ فَاسْتَقَامَتْ قَنَاتُهُمْ واطْمَأَنَّتْ صَفَاتُهُمْ.
أَمَا واللَّهِ إِنْ كُنْتُ لَفِي سَاقَتِهَا حَتَّى تَوَلَّتْ بِحَذَافِيرِهَا مَا عَجَزْتُ ولا جَبُنْتُ وإِنَّ مَسِيرِي هَذَا لِمِثْلِهَا فَلَأَنْقُبَنَّ الْبَاطِلَ حَتَّى يَخْرُجَ الْحَقُّ مِنْ جَنْبِهِ.
مَا لِي ولِقُرَيْشٍ واللَّهِ لَقَدْ قَاتَلْتُهُمْ كَافِرِينَ ولأقَاتِلَنَّهُمْ مَفْتُونِينَ وإِنِّي لَصَاحِبُهُمْ بِالأمْسِ كَمَا أَنَا صَاحِبُهُمُ الْيَوْمَ واللَّهِ مَا تَنْقِمُ مِنَّا قُرَيْشٌ إِلا أَنَّ اللَّهَ اخْتَارَنَا عَلَيْهِمْ فَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي حَيِّزِنَا فَكَانُوا كَمَا قَالَ الأوَّلُ
أَدَمْتَ لَعَمْرِي شُرْبَكَ الْمَحْضَ صَابِحاً وأَكْلَكَ بِالزُّبْدِ الْمُقَشَّرَةَ الْبُجْرَا وَنَحْنُ وَهَبْنَاكَ الْعَلاءَ ولَمْ تَكُنْ عَلِيّاً وحُطْنَا حَوْلَكَ الْجُرْدَ والسُّمْرَا.
ومن خطبة له (عليه السلام) في استنفار الناس إلى أهل الشام بعد فراغه من أمر الخوارج و فيها يتأفف بالناس، وينصح لهم بطريق السداد
أُفٍّ لَكُمْ لَقَدْ سَئِمْتُ عِتَابَكُمْ أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الآخِرَةِ عِوَضاً وبِالذُّلِّ مِنَ الْعِزِّ خَلَفاً إِذَا دَعَوْتُكُمْ إِلَى جِهَادِ عَدُوِّكُمْ دَارَتْ أَعْيُنُكُمْ كَأَنَّكُمْ مِنَ الْمَوْتِ فِي غَمْرَةٍ ومِنَ الذُّهُولِ فِي سَكْرَةٍ يُرْتَجُ عَلَيْكُمْ حَوَارِي فَتَعْمَهُونَ وكَأَنَّ قُلُوبَكُمْ مَأْلُوسَةٌ فَأَنْتُمْ لا تَعْقِلُونَ مَا أَنْتُمْ لِي بِثِقَةٍ سَجِيسَ اللَّيَالِي ومَا أَنْتُمْ بِرُكْنٍ يُمَالُ بِكُمْ ولا زَوَافِرُ عِزٍّ يُفْتَقَرُ إِلَيْكُمْ مَا أَنْتُمْ إِلا كَإِبِلٍ ضَلَّ رُعَاتُهَا فَكُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ انْتَشَرَتْ مِنْ آخَرَ لَبِئْسَ لَعَمْرُ اللَّهِ سُعْرُ نَارِ الْحَرْبِ أَنْتُمْ تُكَادُونَ ولا تَكِيدُونَ وتُنْتَقَصُ أَطْرَافُكُمْ فَلا تَمْتَعِضُونَ لا يُنَامُ عَنْكُمْ وأَنْتُمْ فِي غَفْلَةٍ سَاهُونَ غُلِبَ واللَّهِ الْمُتَخَاذِلُونَ وايْمُ اللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّ بِكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى واسْتَحَرَّ الْمَوْتُ قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الرَّأْسِ واللَّهِ إِنَّ امْرَأً يُمَكِّنُ عَدُوَّهُ مِنْ نَفْسِهِ يَعْرُقُ لَحْمَهُ ويَهْشِمُ عَظْمَهُ ويَفْرِي جِلْدَهُ لَعَظِيمٌ عَجْزُهُ ضَعِيفٌ مَا ضُمَّتْ عَلَيْهِ جَوَانِحُ صَدْرِهِ أَنْتَ فَكُنْ ذَاكَ إِنْ شِئْتَ فَأَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ دُونَ أَنْ أُعْطِيَ ذَلِكَ ضَرْبٌ بِالْمَشْرَفِيَّةِ تَطِيرُ مِنْهُ فَرَاشُ الْهَامِ وتَطِيحُ السَّوَاعِدُ والأقْدَامُ ويَفْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ ما يَشاءُ.
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً ولَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ وتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ وتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا وتَأْدِيبُكُمْ كَيْمَا تَعْلَمُوا وأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ فَالْوَفَاءُ بِالْبَيْعَةِ والنَّصِيحَةُ فِي الْمَشْهَدِ والْمَغِيبِ والإجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ والطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ.
ومن خطبة له (عليه السلام) بعد التحكيم وما بلغه من أمر الحكمين وفيها حمد اللّه على بلائه، ثم بيان سبب البلوى
الْحَمْدُ لِلَّهِ وإِنْ أَتَى الدَّهْرُ بِالْخَطْبِ الْفَادِحِ والْحَدَثِ الْجَلِيلِ وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ (صلى الله عليه وآله).
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمُجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ وتُعْقِبُ النَّدَامَةَ وقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُخَالِفِينَ الْجُفَاةِ والْمُنَابِذِينَ الْعُصَاةِ حَتَّى ارْتَابَ النَّاصِحُ بِنُصْحِهِ وضَنَّ الزَّنْدُ بِقَدْحِهِ فَكُنْتُ أَنَا وإِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ
أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اللِّوَى فَلَمْ تَسْتَبِينُوا النُّصْحَ إِلا ضُحَى الْغَدِ
ومن خطبة له (عليه السلام) في تخويف أهل النهروان
فَأَنَا نَذِيرٌ لَكُمْ أَنْ تُصْبِحُوا صَرْعَى بِأَثْنَاءِ هَذَا النَّهَرِ وبِأَهْضَامِ هَذَا الْغَائِطِ عَلَى غَيْرِ بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ولا سُلْطَانٍ مُبِينٍ مَعَكُمْ قَدْ طَوَّحَتْ بِكُمُ الدَّارُ واحْتَبَلَكُمُ الْمِقْدَارُ وقَدْ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ هَذِهِ الْحُكُومَةِ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ الْمُنَابِذِينَ حَتَّى صَرَفْتُ رَأْيِي إِلَى هَوَاكُمْ وأَنْتُمْ مَعَاشِرُ أَخِفَّاءُ الْهَامِ سُفَهَاءُ الأحْلامِ ولَمْ آتِ لا أَبَا لَكُمْ بُجْراً ولا أَرَدْتُ لَكُمْ ضُرّاً