باب المختار من خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) وأوامره ويدخل في ذلك المختار من كلامه الجاري مجرى الخطب في المقامات المحظورة والمواقف المذكورة والخطوب الواردة
ومن خطبة له (عليه السلام) يذم فيها أتباع الشيطان
اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لأَمْرِهِمْ مِلاكاً واتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً فَبَاضَ وفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ ودَبَّ ودَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ ونَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وزَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ ونَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ
ومن كلام له (عليه السلام) يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك ويدعوه للدخول في البيعة ثانية
يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ ولَمْ يُبَايِعْ بِقَلْبِهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْبَيْعَةِ وادَّعَى الْوَلِيجَةَ فَلْيَأْتِ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ والا فَلْيَدْخُلْ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ
ومن كلام له (عليه السلام) في صفته وصفة خصومه ويقال إنها في أصحاب الجمل
وَقَدْ أَرْعَدُوا وأَبْرَقُوا ومَعَ هَذَيْنِ الأمْرَيْنِ الْفَشَلُ ولَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ ولا نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ
ومن خطبة له (عليه السلام) يريد الشيطان أو يكني به عن قوم
الا وإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ واسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ ورَجِلَهُ وإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي ولا لُبِّسَ عَلَيَّ وايْمُ اللَّهِ لأفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ لا يَصْدُرُونَ عَنْهُ ولا يَعُودُونَ إِلَيْهِ
ومن كلام له (عليه السلام) لابنه محمد ابن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجمل
تَزُولُ الْجِبَالُ ولا تَزُلْ عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ أَعِرِ اللَّهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ فِي الأرْضِ قَدَمَكَ ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى الْقَوْمِ وغُضَّ بَصَرَكَ واعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ
ومن كلام له (عليه السلام) لما أظفره الله بأصحاب الجمل
وَقَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلاناً كَانَ شَاهِدَنَا لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِكَ فَقَالَ لَهُ (عليه السلام) أَ هَوَى أَخِيكَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا ولَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا أَقْوَامٌ فِي أَصْلابِ الرِّجَالِ وأَرْحَامِ النِّسَاءِ سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ ويَقْوَى بِهِمُ الإيمَانُ
ومن كلام له (عليه السلام) في ذم أهل البصرة بعد وقعة الجمل
كُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ وأَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ رَغَا فَأَجَبْتُمْ وعُقِرَ فَهَرَبْتُمْ أَخْلاقُكُمْ دِقَاقٌ وعَهْدُكُمْ شِقَاقٌ ودِينُكُمْ نِفَاقٌ ومَاؤُكُمْ زُعَاقٌ والْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ والشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا ومِنْ تَحْتِهَا وغَرِقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا وفِي رِوَايَةٍ وايْمُ اللَّهِ لَتَغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ وفِي رِوَايَةٍ كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ وفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِلادُكُمْ أَنْتَنُ بِلادِ اللَّهِ تُرْبَةً أَقْرَبُهَا مِنَ الْمَاءِ وأَبْعَدُهَا مِنَ السَّمَاءِ وبِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ الْمُحْتَبَسُ فِيهَا بِذَنْبِهِ والْخَارِجُ بِعَفْوِ اللَّهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَرْيَتِكُمْ هَذِهِ قَدْ طَبَّقَهَا الْمَاءُ حَتَّى مَا يُرَى مِنْهَا إلا شُرَفُ الْمَسْجِدِ كَأَنَّهُ جُؤْجُؤُ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ
ومن كلام له (عليه السلام) في مثل ذلك
أَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَاءِ بَعِيدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ خَفَّتْ عُقُولُكُمْ وسَفِهَتْ حُلُومُكُمْ فَأَنْتُمْ غَرَضٌ لِنَابِلٍ وأُكْلَةٌ لِآكِلٍ وفَرِيسَةٌ لِصَائِلٍ
ومن كلام له (عليه السلام) فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان رضي الله عنه
وَاللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ ومُلِكَ بِهِ الإمَاءُ لَرَدَدْتُهُ فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً ومَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ
ومن كلام له (عليه السلام) لما بويع في المدينة وفيها يخبر الناس بعلمه بما تئول إليه أحوالهم وفيها يقسمهم إلى أقسام
ذِمَّتِي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ وأَنَا بِهِ زَعِيمٌ إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْمَثُلاتِ حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ إلا وإِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ (صلى الله عليه وآله) والَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً ولَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً ولَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلاكُمْ وأَعْلاكُمْ أَسْفَلَكُمْ ولَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا ولَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا واللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً ولا كَذَبْتُ كِذْبَةً ولَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وهَذَا الْيَوْمِ إلا وإِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وخُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ أَلا وإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَأُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ حَقٌّ وبَاطِلٌ ولِكُلٍّ أَهْلٌ فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ ولَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ فَلَرُبَّمَا ولَعَلَّ ولَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْءٌ فَأَقْبَلَ.
قال السيد الشريف وأقول إن في هذا الكلام الأدنى من مواقع الإحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان وإن حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به وفيه مع الحال التي وصفنا زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان ولا يطلع فجها إنسان ولا يعرف ما أقول إلا من ضرب في هذه الصناعة بحق وجرى فيها على عرق وما يَعْقِلُها إِلا الْعالِمُونَ
ومنها هذه الخطبة وفيها يقسم الناس إلى ثلاثة أصناف
شُغِلَ مَنِ الْجَنَّةُ والنَّارُ أَمَامَهُ سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا وطَالِبٌ بَطِيءٌ رَجَا ومُقَصِّرٌ فِي النَّارِ هَوَى الْيَمِينُ والشِّمَالُ مَضَلَّةٌ والطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ وآثَارُ النُّبُوَّةِ ومِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ وإِلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ هَلَكَ مَنِ ادَّعَى وخابَ مَنِ افْتَرى مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ وكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَلا يَعْرِفَ قَدْرَهُ لا يَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ ولا يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ وأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ والتَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ ولا يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلا رَبَّهُ ولا يَلُمْ لائِمٌ إِلا نَفْسَهُ
ومن كلام له (عليه السلام) في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة وليس لذلك بأهل وفيها أبغض الخلائق إلى اللّه صنفان
إنَّ أَبْغَضَ الْخَلائِقِ إِلَى اللَّهِ رَجُلانِ رَجُلٌ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ مَشْغُوفٌ بِكَلامِ بِدْعَةٍ ودُعَاءِ ضَلالَةٍ فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وبَعْدَ وَفَاتِهِ حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ. وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ الأمَّةِ عَادٍ فِي أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً ولَيْسَ بِهِ بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ واكْتَثَرَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ لا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ وإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالاتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ لَمْ يَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ يَذْرُو الرِّوَايَاتِ ذَرْوَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ لا مَلِيٌّ واللَّهِ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ ولا أَهْلٌ لِمَا قُرِّظَ بِهِ لا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ ولا يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرِهِ وإِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ وتَعَجُّ مِنْهُ الْمَوَارِيثُ إِلَى اللَّهِ أَشْكُو مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالاً ويَمُوتُونَ ضُلالاً لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاوَتِهِ ولا سِلْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً ولا أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ولا عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ ولا أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْكَرِ .
ومن كلام له (عليه السلام) في ذم اختلاف العلماء في الفتيا وفيه يذم أهل الرأي ويكل أمر الحكم في أمور الدين للقرآن
تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ الأحْكَامِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلافِ قَوْلِهِ ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الإمَامِ الَّذِي اسْتَقْضَاهُمْ فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً وإِلَهُهُمْ وَاحِدٌ ونَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وكِتَابُهُمْ وَاحِدٌ أَ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِالاخْتِلافِ فَأَطَاعُوهُ أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ. أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وعَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً فَقَصَّرَ الرَّسُولُ (صلى الله عليه وآله) عَنْ تَبْلِيغِهِ وأَدَائِهِ واللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ وفِيهِ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ وذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً وأَنَّهُ لا اخْتِلافَ فِيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ ولَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً وإِنَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وبَاطِنُهُ عَمِيقٌ لا تَفْنَى عَجَائِبُهُ ولا تَنْقَضِي غَرَائِبُهُ ولا تُكْشَفُ الظُّلُمَاتُ إِلا بِهِ
ومن كلام له (عليه السلام) قاله للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب، فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الأشعث فيه، فقال يا أمير المؤمنين، هذه عليك لا لك، فخفض عليه السلام إليه بصره ثم قال:
مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ ولَعْنَةُ اللاعِنِينَ حَائِكٌ ابْنُ حَائِكٍ مُنَافِقٌ ابْنُ كَافِرٍ واللَّهِ لَقَدْ أَسَرَكَ الْكُفْرُ مَرَّةً والإسْلامُ أُخْرَى فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ ولا حَسَبُكَ وإِنَّ امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ وسَاقَ إِلَيْهِمُ الْحَتْفَ لَحَرِيٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ الأقْرَبُ ولا يَأْمَنَهُ الأبْعَدُ.
قال السيد الشريف يريد (عليه السلام) أنه أسر في الكفر مرة وفي الإسلام مرة. وأما قوله (عليه السلام) دل على قومه السيف فأراد به حديثا كان للأشعث مع خالد بن الوليد باليمامة غر فيه قومه ومكر بهم حتى أوقع بهم خالد وكان قومه بعد ذلك يسمونه عرف النار وهو اسم للغادر عندهم
ومن كلام له (عليه السلام) وفيه ينفر من الغفلة وينبه إلى الفرار للّه
فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ لَجَزِعْتُمْ ووَهِلْتُمْ وسَمِعْتُمْ وأَطَعْتُمْ ولَكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا وقَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ الْحِجَابُ ولَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وأُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ وهُدِيتُمْ إِنِ اهْتَدَيْتُمْ وبِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ لَقَدْ جَاهَرَتْكُمُ الْعِبَرُ وزُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ ومَا يُبَلِّغُ عَنِ اللَّهِ بَعْدَ رُسُلِ السَّمَاءِ إِلا الْبَشَرُ
ومن خطبة له (عليه السلام) وهي كلمة جامعة للعظة والحكمة
فَإِنَّ الْغَايَةَ أَمَامَكُمْ وإِنَّ وَرَاءَكُمُ السَّاعَةَ تَحْدُوكُمْ تَخَفَّفُوا تَلْحَقُوا فَإِنَّمَا يُنْتَظَرُ بِأَوَّلِكُمْ آخِرُكُمْ
قال السيد الشريف أقول إن هذا الكلام لو وزن بعد كلام الله سبحانه وبعد كلام رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكل كلام لمال به راجحا وبرز عليه سابقا. فأما قوله (عليه السلام) تخففوا تلحقوا فما سمع كلام أقل منه مسموعا ولا أكثر منه محصولا وما أبعد غورها من كلمة وأنقع نطفتها من حكمة وقد نبهنا في كتاب الخصائص على عظم قدرها وشرف جوهرها.