خلافًا لتقليد "المقاومات" السابقة، لم تشارك المقاومة الإسلامية منذ نشأتها إلى اليوم، مع أي طرف آخر في عمليات ضد الاحتلال.
ولا يعود ذلك إلى الرغبة في الانسجام العقائدي بين أفرادها، بل ترد المقاومة ذلك إلى خشيتها من اختراق العدو صفوفها عندما تتنوع الانتماءات والاتجاهات السياسية والعقائدية بحيث يصعب مراقبتها أو السيطرة عليها، كما كان يحصل مع التجارب السابقة للمقاومة (وخصوصًا الفلسطينية)، والتي تعرضت لكثير من الضربات والاغتيالات بسبب هذه الاختراقات الأمنية في صفوفها.
<table id=table12 dir=rtl style="BORDER-COLLAPSE: collapse" cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%" border=0><tr><td dir=rtl width="100%">2 - توسيع قاعدة المقاومة:
</TD></TR></TABLE>وقد تعرضت المقاومة الإسلامية - بسبب هذه الرغبة في القيام بعملياتها دون أي تنسيق أو مشاركة مع الفصائل العسكرية الأخرى - إلى الاتهام حينًا بأنها "تحتكر المقاومة" لأغراض سياسية، وإلى إهمالها حينًا آخر جوانب الصمود والتنمية الاجتماعية التي تكمل الجانب العسكري في المقاومة.
وقد استطاعت المقاومة الإسلامية أن تتجاوز هذه الاتهامات، وأن تفتح باب المشاركة للقوى الأخرى غير الإسلامية التي ترغب في مقاتلة الاحتلال دون أن تتخلى عن أطرها الخاصة التنظيمية والأمنية والعسكرية.
فأعلنت، وبلسان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 1997م عن تشكيل "السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي" كإطار جامع لكل راغب في المشاركة بأعمال المقاومة المسلحة ضد قوات الاحتلال في جنوب لبنان، وأكد السيد نصر الله: "أن هذا التشكيل سوف يبقى منفصلاً عن جهاز المقاومة الإسلامية التي ستكون جاهزة لتقديم كل دعم تحتاجه السرايا اللبنانية من أجل القيام بأعمال عسكرية وأمنية في المناطق اللبنانية المحتلة".
لم يكن هذا الإعلان عن تشكيل "سرايا لبنانية لمقاومة الاحتلال" من دون تحديد أي بعد عقائدي (إسلامي) لها مجرد رغبة في رد تهمة احتكار المقاومة، ولم يكن هذا الإعلان كذلك مجرد رغبة في المحافظة على الإطار التنظيمي الأمني والعسكري لخلايا المقاومة الإسلامية، بل كان إدراك المقاومة لأهمية توسيع دائرة المشاركة في قتال العدو في المجتمع اللبناني المتنوع طائفيًّا ومذهبيًّا وسياسيًّا هو الدافع الأهم لتشكيل مثل هذه السرايا التي نفذت بعد ذلك عمليات عدة ضد الاحتلال، ذلك أن الخصوصية الإسلامية للمقاومة شكلت عائقًا أمام تحقيق رغبة بعض اللبنانيين من طوائف غير إسلامية ومن اتجاهات سياسية مختلفة في الانضواء تحت لواء المقاومة الإسلامية لمقاتلة الاحتلال. وحتى لا يبقى هذا القتال حكرًا على جماعة دون أخرى من اللبنانيين كانت هذه المبادرة التي تمحورت بالنسبة إلى قيادة المقاومة الإسلامية حول جملة أهداف وأولويات، أهمها:
* تكريس قضية الصراع مع العدو وتحرير الأرض.
* محاربة التطبيع.
* إجهاض محاولات العدو لتكريس احتلاله وكيانه الغاصب كواقع شرعي وقانوني في قلب المنطقة.
* خلق نقطة إجماع كبرى وطنيًّا وقوميًّا وإسلاميًّا تشمل مختلف أنواع القوى والقيادات والشرائح الاجتماعية والمذاهب الدينية والمعتقدات السياسية والثقافية والفكرية.
<table id=table13 dir=rtl style="BORDER-COLLAPSE: collapse" cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%" border=0><tr><td dir=rtl width="100%">3 - استخدام أساليب قتالية متطورة:
</TD></TR></TABLE>استخدمت المقاومة الإسلامية الأساليب المعروفة في حروب العصابات، أي المجموعات الصغيرة التي تشن هجومات مفاجئة على دوريات العدو وتحصيناته ، أو تعمل على زرع الألغام والكمائن على طرق مواصلاته.
لكن المقاومة نجحت إلى جانب هذه الأساليب، في تقديم تجربة متميزة ومختلفة على التجارب الأخرى في لبنان على المستويات الأمنية والإعلامية والسياسيةأبز ملامحها:
أ - تعدد التكتيكات والعمليات:
فلم تعتمد المقاومة الإسلامية تكتيكًا واحدًا في المواجهة، هو انتظار جنود الاحتلال على الطرقات أو في الأحراش، أو قصف مواقعه من القرى البعيدة. بل لجأت إلى المبادرة إلى شن عمليات واسعة، وأحيانًا متعددة، في الوقت نفسه على أكثر من موقع من مواقع الاحتلال، وتمكنت في حالات كثيرة من السيطرة على هذه المواقع لساعات طويلة، وتدميرها، وأَسْر من فيها في بعض الأحيان.
ب - تطوير قدرات استخبارية عالية:
نجحت المقاومة الإسلامية في تطوير قدرات استخبارية عالية مكنتها من رصد تحركات جنود الاحتلال وعملائه، وإيقاع خسائر مباشرة وكبيرة بهم عبر الكمائن أو التفجيرات، في داخل الشريط المحتل وخارجه وصولاً إلى الحدود الإسرائيلية نفسها، مما أدى في الأوساط الإسرائيلية العسكرية والأمنية إلى طرح الشكوك والتساؤلات وتشكيل لجان للتحقيق حول مدى اختراق "حزب الله" لهذه الأوساط أو للعملاء، خصوصًا بعد الفشل الذريع لمحاولة الإنزال الإسرائيلية الأخيرة في بلدة "أنصارية" المحاذية للشاطئ في جنوب لبنان (في 4/9/1997م)، والتي قضت المقاومة فيها على جميع جنود النخبة الذين شاركوا في هذه العملية، وبلغ عددهم حوالي خمسة عشر جنديًّا إسرائيليًّا، وقد احتفظت المقاومة بأشلاء العديد من هؤلاء الجنود الذين تم تبادلهم لاحقًا في 25/6/1998م مع رفات أربعين شهيدًا للمقاومة بينها ثلاثون شهيدًا للمقاومة الإسلامية، وهي المرة الأولى في تاريخ إسرائيل التي تواجه فيها مثل هذا النوع من الفشل في عمليات مماثلة.
ج - الحرب النفسية والإعلام الحربي:
اعتمدت المقاومة الأساليب النفسية والمعنوية الحديثة في عملية التأثير سواء على الرأي العام المدني والعسكري في صفوف العدو. فقد تمكنت المقاومة في إطار جهاز سري أطلق عليه "الإعلام الحربي" يخضع أفراده لدورات خاصة عسكرية وعقائدية وفنية من تصوير مباشر لمعظم عملياتها ضد جنود الاحتلال وعملائه، ونقلت صورًا حية لعمليات اقتحام المواقع وتثبيت راياتها فوق الدشم والتحصينات.
وعمدت المقاومة في الإطار نفسه، إلى نصب كمائن إعلامية للعدو، فوزعت على سبيل المثال في 27/2/1998 شريطًا مصورًا عن سير عملية اقتحام موقع "بئر كلاب"، إلا أن قائد وحدة الارتباط في جيش الاحتلال إيرز غورشتاين ادعى أن المقاومين لم يدخلوا الموقع، فعادت المقاومة ووزعت شريطًا جديدًا يتضمن تفاصيل اقتحام الموقع ودخول المقاومين إليه ورفع الرايات فوق دشمه. وقد تكررت الخدعة الإعلامية نفسها مع اقتحام موقع "الدبشة" في 12/5/1998م وموقع "حداثا" في 2/7/1998م، كما نظمت المقاومة وعلى مستوى آخر، وفي مناسبات مختلفة زيارات إعلاميين ورؤساء بلديات ومحافظين إلى مواقعها. واستخدمت المقاومة شبكة الإنترنت لتبث بواسطتها أخبار عملياتها ورسائلها المختلفة إلى أنحاء العالم كافة، وخصص تليفزيون المنار (أحد وسائل إعلام المقاومة إلى جانب إذاعة النور)، على الشبكة نفسها صفحة خاصة تهتم بأخبار المقاومة الإسلامية، وتتضمن نصوصًا حول المقاومة وعملياتها باللغتين العربية والإنجليزية. ومثل هذا الاستخدام للتقنيات الحديثة ولتصوير العمليات يحصل لأول مرة في تاريخ المقاومة ضد الاحتلال في لبنان.
<table id=table14 dir=rtl style="BORDER-COLLAPSE: collapse" cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%" border=0><tr><td dir=rtl width="100%">4 - مواجهة مع العدو وتهدئة في الداخل:
</TD></TR></TABLE>تجنبت المقاومة الصدامات والمعارك الجانبية مع المنظمات والحركات السياسية والعسكرية التي كانت تعج بها الساحة
اللبنانية قبل الاجتياح الإسرائيلي في 1982م وبعده . كما تجنب حزب الله ( الإطار السياسي للمقاومة ) مثل هذه المواجهة مع السلطة اللبنانية، معتمدًا استراتيجية العنف على جبهة المواجهة مع العدو، والتهدئة على الجبهة الداخلية. وقد تجنب بسبب هذه الاستراتيجية التورط في صدام مع الجيش اللبناني في 13 أيلول/ سبتمبر 1993م إثر توقيع اتفاق أوسلو، بعدما أطلق الجيش النار على تظاهرة شعبية سلمية لحزب الله، خرجت تندد بالاتفاق، وسقط في خلالها ثمانية قتلى وعشرات الجرحى من
المتظاهرين. بل تحولت العلاقة مع الجيش، في السنوات اللاحقة إلى علاقة تعاون وتنسيق تحصل أيضًا لأول مرة في تاريخ المقاومة في لبنان، مما أدى إلى كشف العديد من العملاء ومن الشبكات الأمنية المرتبطة بالعدو، ومحاكمة من قبض عليهم أمام القضاء اللبناني.
وقد أثار كشف هذه الشبكات انتقادات حادة في الأوساط الإسرائيلية عبر عنها عضو الكنيست "جدعون عيزرا" - وهو مسئول سابق في جهاز الشاباك- الذي قال في مقابلة مع الإذاعة التابعة لجيش الاحتلال: "إنه من الصعب التصديق أن يتم كشف شبكة إسرائيلية بهذا الحجم، الأمر الذي يدل على فشل التخطيط والتنفيد".
وقد عبَّر أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله عن هذا المستوى من التعاون، أثناء تبادل رفات الشهداء بأشلاء القتلى من الجنود الإسرائيليين، بقوله: "أن يَحْمل ضباط وجنود الجيش اللبناني نعوش المقاومين ويعزفوا لهم نشيد الموت ويؤدوا لهم تحية السلاح، لهو أمر بالغ الدلالة يجب أن يفهمه اللبنانيون ويفهمه العدو والعالم كله. وأن تمتزج دماء شهداء الجيش في لبنان بدماء شهداء المقاومة، فهذا أمر يغضب إسرائيل وأمريكا ويزعجهم ويؤلمهم...".
واستقبل السيد حسن نصر الله ممثل قائد الجيش آنذاك إميل لحود على رأس وفد عسكري قدم التعازي بالشهداء العائدين والتهاني بعودة الأسرى.
وعلى الرغم مما حصل من صدام مع تنظيمات أخرى (كحركة أمل بشكل رئيسي) فقد بقى استثنائيًّا ولم يبدل خيار المقاومة في إعادة تصويب أهدافها لقتال جنود العدو وعملائه. ومن يعرف حال التشرذم والفوضى والتنافس التي كانت سائدة في لبنان بين المنظمات والأحزاب اللبنانية والفلسطينية، قبل الاجتياح الإسرائيلي في 1982م وبعده، يدرك إلى أي مدى شكل هذا الخيار الاستراتيجي عنصرًا أساسيًّا في حفظ المقاومة واستمرارها وفي الالتفاف الوطني اللاحق حولها.
<table id=table15 dir=rtl style="BORDER-COLLAPSE: collapse" cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%" border=0><tr><td dir=rtl width="100%">5 - تصفية العملاء
</TD></TR></TABLE>بذلت المقاومة جهدًا مكثفًا لضرب الميليشيات العميلة (جيش لبنان الجنوبي) وتحطيم معنوياتها. وقد شهدنا منذ العام 1998م مجموعة من العمليات الناجحة والنوعية استهدفت فيها المقاومة قادة هذه الميليشيات وأكثر من مسئول أمني فيها. وهذا يفسرالإنهيار السريع ميليشيات لحد في أعقاب انسحاب جيش الاحتلال من المنطقة المحتلة".
كما نشرت الصحف فى فترات سابقة أنباء خلافات نشبت بين قيادتي الأجهزة الأمنية والأخرى العسكرية في ميليشيا العملاء على خلفية اتهامات متبادلة بين الطرفين عن التقصير الذي أدى إلى نجاح عمليات المقاومة الإسلامية.
كما فرضت قوات الاحتلال حصارًا محكمًا على ميناء الناقورة -من قبل- في محاولة للحد من عمليات الفرار التي يقوم بها مسئولون في العملاء. وإلى جانب الضربات العسكرية المباشرة للعملاء، اعتمدت المقاومة وسائل الترغيب عبر تشجيع الفرار من هذه الميليشيات، وعبر ما سمته فتح "باب التوبة" لمن يريد أن يستسلم إلى السلطات اللبنانية أو إلى المقاومة، كما قدمت مشروعًا بهذا الصدد في مجلس النواب اللبناني. وقد نجم عن هذه الجهود المكثفة التي تصاعدت في عام 1998م انسحاب العملاء من منطقة جزين في 1999م .
<table id=table16 dir=rtl style="BORDER-COLLAPSE: collapse" cellSpacing=0 cellPadding=0 width="100%" border=0><tr><td dir=rtl width="100%">6- استخدام وسائل الحشد والتعبئة
</TD></TR></TABLE>في مرحلة الاحتلال الشامل الذي غطى معظم الأراضي اللبنانية بعد اجتياح 1982م بما فيها العاصمة بيروت، اعتمدت المقاومة أسلوبين متكاملين: التعبئة الشعبية والعمليات العسكرية على غرار حرب العصابات التي أشرنا إليها.
أما بعد الانسحاب الجزئي عام 1986م إلى ما بات يعرف بالشريط الحدودي المحاذي للحدود مع الكيان الصهيوني، فقد اقتصرت المقاومة على العمليات العسكرية دون الحشد الجماهيري. ولكنها انتقلت سريعا في مراحل لاحقة إلى تعبئة إعلامية واسعة موجهة إلى الرأي العام اللبناني بمختلف اتجاهاته من خلال القناة التليفزيونية (المنار) التي تملكها، وكذلك إذاعة "النور" وجريدة "العهد" الأسبوعية التابعتين لها، لتبث عبرها أخبار العمليات وخطب المسئولين، والتوجيه الديني والثقافي والسياسي، وتاريخ الاحتلال وجرائم العدو ومجازره.
أما أساليب الحشد والتعبئة التي استخدمتها في المرحلة الأولى من عمليات المواجهة مع الاحتلال أي بين 1982م و 1986م فتركزت في المناطق اللبنانية المحتلة أساسًا، وكانت ذات طابع ديني مباشر في بيئة يشكل الدين فيها مكونًا رئيسيًّا من مكونات شخصيتها وتاريخها.
كما استفادت المقاومة بدورها من مناخ التعبئة الدينية الرافض للاحتلال والمحرض على المواجهة الذي أشاعه كثير من العلماء في المساجد وأحياء القرى، حتى قبل ولادة المقاومة الإسلامية أو الإعلان عن وجودها وهويتها.
فقد حصل أول احتجاج وتحرك جماهيري في إحدى قرى الجنوب المحتل (جبشيت) في آذار/ مارس 1983م بسبب اعتقال سلطات اعتقال إمامها الشيخ راغب حرب، ثم توسع هذا التحرك ليشمل كل القرى المجاورة، مما اضطر سلطات الاحتلال إلى إطلاق سراحه قبل أن تعود إلى اغتياله بعد أشهر، فعمَّت الاضطرابات والتظاهرات أغلب المناطق اللبنانية. "وكان أئمة القرى يوجهون أبناءها في التظاهر أو سَدِّ منافذ القرى بالإطارات المشتعلة والحجارة والتصدي لمحاولات دخولها.
وبعد كل موجة احتجاج يعقد اللقاء الموسع للهيئة العلمائية التي تصدر بيانًا حول التطورات تحدد فيها الخطوات المقبلة ".
وفي خطب الجمعة دعا العلماء إلى مقاطعة البضائع الإسرائيلية التي بدأت تغزو الأسواق، وإلى التصدي للمتعاملين مع العدو، وإلى عدم الانجرار وراء مشاريع روابط القرى التي أراد الاحتلال تشكيلها، ثم كرروا مثل هذه المواقف عند توقيع لبنان اتفاق 17 أيار/ مايو عام 1984م مع إسرائيل.
وفي ظل أجواء التعبئة الدينية التي استعادت تاريخ شهداء الإسلام، والإمام الحسين، والوقوف ضد الظلم، وموقع الشهيد ومكانته السامية في الإسلام، إلى تاريخ الجهاد في جبل عامل (جنوب لبنان) ضد الاحتلال الفرنسي، تجرأت الجموع في أكثر من قرية، كما حصل عام 1983م في إحدى المناسبات الدينية (عاشوراء) في مدينة النبطية في جنوب لبنان، وهاجمت قافلة إسرائيلية بالحجارة وأحرقت بعض سياراتها، ما أدى إلى محاصرة المدينة واعتقال شبابها.
وكانت المساجد والحسينيات هي أمكنة التجمع واللقاء والحصون التي يحتمي بها الناس عند دخول القوات الإسرائيلية إلى البلدات والقرى.